![الشيخ عبد الله كامل](https://maaluum.com/wp-content/uploads/الشيخ-عبد-الله-كامل.webp)
الشيخ عبد الله كامل: القارئ الكفيف الذي أسر القلوب بتلاوته العذبة
الشيخ عبد الله كامل، اسم نقش في قلوب المسلمين بحنجرته الذهبية وصوته الشجي في تلاوة القرآن الكريم. رغم فقدانه للبصر منذ الولادة، إلا أن نور القرآن أضاء له طريقه، فصار من أعلام القراء والدعاة الذين أثروا في الأجيال بصوتهم العذب وإخلاصهم في الدعوة إلى الله. في هذا المقال، سنتناول سيرة الشيخ عبد الله كامل، نشأته، مسيرته في حفظ القرآن، إنجازاته، وأثره في العالم الإسلامي.
النشأة والحياة المبكرة
وُلد الشيخ عبد الله أحمد كامل عام 1985 في قرية المشرك قبلي بمحافظة الفيوم في مصر. منذ ولادته، كان فاقدًا للبصر، لكن الله عوضه بنعمة الحفظ القوي، حيث تمكن من حفظ القرآن الكريم كاملًا وهو لا يزال في سن صغيرة. كان ذلك بدعم من أسرته التي شجعته على طلب العلم، مما جعله يلتحق بالمعاهد الأزهرية ويتفوق في دراسته.
اعتمد الشيخ عبد الله على طريقة برايل لحفظ القرآن، فكان يراجع الآيات مرارًا حتى ترسخت في ذاكرته. لم يكن فقدانه للبصر عائقًا أمام طموحه، بل كان دافعًا ليكون مثالًا يُحتذى به في الإرادة والإصرار.
مسيرته التعليمية والدعوية
بعد إتمام حفظ القرآن، التحق الشيخ عبد الله كامل بكلية دار العلوم بجامعة الفيوم، وتخرج منها عام 2005. أثناء دراسته، كان متميزًا بفصاحته وإتقانه للغة العربية، مما أهّله ليكون داعية إسلاميًا مؤثرًا، إلى جانب كونه قارئًا للقرآن الكريم.
لم يكتفِ الشيخ بتلاوة القرآن فحسب، بل كان خطيبًا مفوّهًا، يلقي الدروس والمحاضرات الدينية في العديد من المساجد والفعاليات الإسلامية. كان أسلوبه في الدعوة بسيطًا وقريبًا من الناس، حيث ركز على الأخلاق الإسلامية، فضل القرآن، وحث الشباب على التقرب من الله.
الشهرة والمشاركات القرآنية
بدأت شهرة الشيخ عبد الله كامل تتسع حين شارك في العديد من المسابقات القرآنية. كان من أبرز إنجازاته حصوله على المركز الأول في مسابقة “المزمار الذهبي” التي نظمتها قناة الفجر الفضائية عام 2015. تميز الشيخ بأسلوبه الفريد في التلاوة، حيث امتزجت نغماته بالخشوع، فأصبحت تسجيلاته تُسمع في كل مكان، وتبث على العديد من القنوات الفضائية والإذاعات الإسلامية.
أنشأ الشيخ قناة على موقع “يوتيوب”، حيث كان يشارك تلاواته العذبة التي لاقت إقبالًا كبيرًا من محبي القرآن في العالم الإسلامي. وقد أدى صوته الخاشع إلى انتشار واسع لتلاواته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما جعله أحد أشهر القراء في العصر الحديث.
الرحلات الدعوية وإمامة المصلين
سافر الشيخ عبد الله كامل إلى العديد من الدول، منها الكويت، السعودية، والولايات المتحدة، حيث كان يُدعى لإمامة المصلين في شهر رمضان المبارك. ومن أبرز محطاته، إمامته للمصلين في مسجد التوحيد في نيوجيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث ذاع صيته هناك، وجذب آلاف المصلين الذين أتوا للاستمتاع بتلاوته الروحانية.
كما زار العديد من المساجد في مصر والوطن العربي، وكان يشارك في المحاضرات والندوات، داعيًا الناس إلى التمسك بتعاليم الإسلام، والإكثار من تلاوة القرآن الكريم.
الإنشاد الديني والقصائد المؤثرة
إلى جانب تلاوته للقرآن، كان الشيخ عبد الله كامل أيضًا منشدًا دينيًا متميزًا، حيث قدم العديد من الأناشيد الإسلامية التي لاقت شهرة واسعة. من أشهر أناشيده “هل صليت اليوم عليه؟”، التي كانت تذكيرًا مستمرًا بالصلاة على النبي محمد ﷺ.
لكن من أكثر أعماله تأثيرًا، كانت قصيدته “قالوا مات”، التي ألقاها قبل وفاته، وكأنها كانت نعيًا لنفسه، حيث تحدث فيها عن الموت والاستعداد للقاء الله، مما جعلها تتردد على ألسنة محبيه بعد رحيله.
الوفاة وردود الأفعال
في 26 أبريل 2023، تلقى محبو الشيخ عبد الله كامل خبر وفاته أثناء وجوده في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن أمَّ المصلين في صلاة الظهر بمسجد التوحيد. كان الخبر صادمًا للكثيرين، حيث فاضت مواقع التواصل الاجتماعي برسائل النعي والتعازي، وعبر الناس عن حزنهم لفقدان قارئ من أعذب أصوات التلاوة.
تم نقل جثمانه إلى مصر حيث دُفن في مسقط رأسه بمحافظة الفيوم، وسط جنازة مهيبة حضرها آلاف المشيعين الذين جاءوا لتوديع الشيخ الذي كان مثالًا في الصبر والإيمان.
الإرث الذي تركه
ترك الشيخ عبد الله كامل إرثًا كبيرًا من التلاوات القرآنية، والمحاضرات الدعوية، والأناشيد الإسلامية. لا تزال تسجيلاته تتصدر القنوات والمنصات الإسلامية، ليستمر صوته في إسماع القلوب بكلام الله، رغم رحيله عن الدنيا.
من الدروس المستفادة من حياته:
- التغلب على التحديات: لم يكن فقدانه للبصر عائقًا أمام تحقيق أهدافه، بل كان دافعًا لمزيد من الاجتهاد.
- الإخلاص في العمل: كانت تلاواته خالصة لله، مما جعلها تدخل القلوب بسهولة.
- أثر القرآن في حياة الإنسان: حفظه للقرآن جعله من أهل الله وخاصته، وأكسبه محبة الناس واحترامهم.
- الرسالة تستمر حتى بعد الموت: رغم رحيله، لا تزال أعماله باقية، وتؤثر في الناس يوميًا.
الخاتمة
كان الشيخ عبد الله كامل نموذجًا يُحتذى به في الاجتهاد والصبر والإخلاص. سطع نجمه في سماء القرّاء، وترك أثرًا خالدًا في قلوب المسلمين. رغم رحيله، إلا أن صوته سيبقى حاضرًا، يذكّر الناس بعظمة القرآن، وبأن طريق النور مفتوح لمن أراد أن يسلكه.
رحم الله الشيخ عبد الله كامل، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.